
إن غابت عن صفحات التاريخ كثيراً من القصص ولم يدونها بين دفاتره فإن هنالك قصص لم يجرؤ أحد على تجاهلها لانها نقلت الى صفحاته من كتاب لا يأتيه الباطل ولا تطاله يد التحريف ذلك هو القرآن الكريم ومن القصص التي وردت في الكتاب العزيز قصة اصحاب الكهف تلك التي ادهشت الكون واصبحت عظة من المواعظ وعبرة ناطقة بالذهول الانساني النابع من الضعف امام قدرة الله عز وجل.ترى اين موقع كهف الرقيم؟ واين حدود الجغرافيا التي حوت رهبته؟ سؤال الح على ذهنية الباحثين والاثريين عبر الحقب فمنهم من قال في تركيا ومنهم من ذكر انه في سوريا وآخرين قالوا انه في جبال اذربيجان واخيراً اجمع الكثير منهم على ان الكهف موجود في بلاد الاردن فعلى بعد سبعة كيلومترات من مدينة عمان تلك العاصمة التي بنيت بين قصور الرومان والبيزنطيين والامويين ومن شتى الازمان وبعد ان تترك صخب المدينة الحديثة وهيبة التاريخ ودهشة المكان في المدرج الروماني ترافقك بعض من الابنية على طول الطريق لتستقر بك العربة امام لوحة كتب عليها اصحاب الكهف تتملكك خيالات لن تتعدى حدو الرهبة مع اطمئنان يبدد هذا الشعور او بالاحرى يسكنه كلما تمتمت بالاذكار والتسابيح التي يشاركك بها رفقاء الرحلة والمرشح السياحي الذي تلح على قسمات وجهه الخير نزلنا الى مكان الكهف المنحوت على واجهة جبل عريض ومن الدلائل المادية التي يحويها هذا الكهف موقعه بالنسبة لطلوع الشمس وغروبها فالشمس تميل عن الكهف ساعة الشروق واذا غربت تبتعد باشعتها كذلك ولا تسقط عليه بشكل مباشر (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ).ومن الباحثين من قضى يوماً كاملاً يترقب حركة الشمس ولقد اثبت المهندس يحيى الوزيري من خلال مقاساته الهندسية ان الشمس ترسل اشعتها من خلال الفجوات الموجودة في جدار الكهف وكذلك من خلال الكوة وهي فتحة عميقة بطول اربعة امتار تصل ما بين سقف الكهف وارضيته واذا نظرت اليها من العلو تبدو كبئر عميقة ممتدة الى سقف الفجوة التي لا يفصلها عن موقع التوابيت غير قوس يوضح التقسيمات الداخلية للكهف فالداخل من الباب يراها كمقصورة متفردة لا يربطها مع العالم الخارجي غير شعاع الضوء القادم لها من خلال أرضية المسجد المقام على سقفها وهذا المسجد مبني مكان صومعة بيزنطية عثر في أرضيتها على مكان السجود وتاريخ البناء لهذا المسجد يرجع إلى العصور الإسلامية الأولى حيث كتب على أحد جدرانه (جدد عام 117هـ).وقبل مشاهدة الفجوة التي استقرت بها رهبة المكان وأنت تدخف من الباب برفقة المرشد السياحي ترى عن يمينك تجويف يحتوي على أربعة توابيت منحوتة من التكوينات الصخرية لجدار الكهف وعن شمالك تشاهد ثلاثة توابيت بنفس الشكل تبدو كمربع بثلاثة إضلاع وبينهما فراغ أخذ نفس التصميم.وبداية الاهتمام في هذا الموقع كان في عام 1963م عندما قام الباحثون بعمل مسوحات استشكافية عثر في أرضية الكهف المطمورة على بقايا عظام بشرية وفك لكلب إلا أن ذكر هذا المكان لم يغب عن الجغرافيين والمؤرخين والمفسرين ففي تفسير الطبري (الرقيم وادي بين عسفان وأيله دون فلسطين) ومن الجغرافيين المقدسي (الرقيم قرية على فرسخ من عمان وعلى تخوم البادية وبها بابان صغير وكبير) وذكر ياقوت الحموي (وبقرب البلقاء من أطراف الشام موضع يقال له الرقيم.ومن الشخصيات الإسلامية التي وقفت على المكان الصحابي عبادة بن الصامت والصحابي معاوية بن أبي سفيان والصحابي عبدالله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين ومن الشعراء الشاعر الجاهلي أمية بن الصلت والشارع الأموي كثير غزة.ومن الدلائل المادية التي أثبتها المهندس الجيولوجي ناظم الكيلاني أن أرضية الكهف تحتوي على عنصر المغنيسوم والكالسيوم والكربوهيدرات وهذه المواد تساعد على بقاء الجسم والعلم عند الله عز وجل.خاتمة:تركت موقع الكهف مع الغروب متجهاً إلى القرية العالمية لأشاهد بها نماذج من حضارات العالم الجديدة ولبعد موقف السيارة ركبت عربة يجرها الخيل لتبتعد أضواء القرية كلما خطوة بخطوة إلى الأمام وتذكرت قول أحدهم (إن للمدن وجوه وكيان ولقد عشقت وجه عمان).