* **مزرعة الأشباح: سر عائلة غروبر الملعونة**

Tamer Nabil Moussa
المؤلف Tamer Nabil Moussa
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

*   **مزرعة الأشباح: سر عائلة غروبر الملعونة**

في قلب بافاريا الخضراء، حيث تتشابك حكايات القرى مع أساطير الغابات، تقع مزرعة "هينتركايْفِك" (Hinterkaifeck). اسم يتردد صداه في أروقة الذاكرة الألمانية، مرادفًا للرعب والغموض الذي لم يُحل لقرنٍ تقريبًا. قصة عائلة غروبر، التي أُزهقت أرواحها بطريقة وحشية في ليلةٍ دامسة من ليالي مارس عام 1922، لا تزال تطارد المنطقة، تثير الخوف والتساؤلات التي لم تجد إجابات شافية.


في قلب بافاريا الخضراء، حيث تتشابك حكايات القرى مع أساطير الغابات، تقع مزرعة "هينتركايْفِك" (Hinterkaifeck). اسم يتردد صداه في أروقة الذاكرة الألمانية، مرادفًا للرعب والغموض الذي لم يُحل لقرنٍ تقريبًا. قصة عائلة غروبر، التي أُزهقت أرواحها بطريقة وحشية في ليلةٍ دامسة من ليالي مارس عام 1922، لا تزال تطارد المنطقة، تثير الخوف والتساؤلات التي لم تجد إجابات شافية.
*   **مزرعة الأشباح: سر عائلة غروبر الملعونة**

لم يكن أندرياس غروبر، رب الأسرة، رجلًا هيّابًا. رجلٌ خمسينيّ متين البنية، اعتاد على قساوة الحياة الريفية، والتعامل مع تقلبات الطقس. لكن في الأشهر التي سبقت تلك الليلة المشؤومة، بدأ يراوده شعورٌ غريب، شعورٌ بالتوجس والخطر المحدق.

 

قبل ستة أشهر

 تركت الخادمة وظيفتها فجأة. لم تكن مجرد عاملة منزل، بل جزءًا من العائلة الصغيرة. ادّعت أنها تسمع أصواتًا غريبة، طرقاتٍ خفيفة على النوافذ في منتصف الليل، همساتٍ مبهمة تتسلل إلى أركان المنزل. لم يصدقها أندرياس، ظنّها مجرد تهيؤات، لكنه لم يستطع إنكار قلقها الواضح.

 

  • بعد رحيلها، استمرت الحياة في المزرعة بوتيرةٍ بطيئة. إلى أن جاءت ماري، الخادمة الجديدة، في
  •  الواحد والثلاثين من مارس. لم تكن تعلم أنها ستقضي ليلةً واحدة فقط في هذا المنزل المسكون، ليلةً
  •  ستكون الأخيرة في حياتها.

 

في ذلك اليوم

 بدأت الأمور تأخذ منحىً غريبًا. عثر أندرياس على صحيفة لم يسبق له أن اشتراها، ملقاة على الأرض في غرفة المعيشة. لم يعر الأمر اهتمامًا كبيرًا، لكنه شعر بشيء من الانزعاج. ثم اختفت مفاتيح المخزن، حيث تُحفظ الأدوات الزراعية. تفقدها أندرياس في كل مكان، لكنه لم يجدها.

 

  1. لكن الأمر الذي أثار فزعه حقًا، كان آثار الأقدام في الثلج. كانت تلك الفترة تشهد تساقطًا كثيفًا للثلوج
  2.  وكانت الأرض مغطاة بطبقةٍ سميكة. لاحظ أندرياس آثارًا قادمة من الغابة المحيطة، آثارًا تقود مباشرةً
  3.  إلى المزرعة. لكن الأمر الأكثر إثارة للرعب، هو أن تلك الآثار لم تكن تعود أدراجها! يبدو أن شخصًا
  4.  ما، أو شيئًا ما، دخل إلى المنزل، لكنه لم يخرج منه.

 

تذكر أندرياس كلام الخادمة السابقة

 الأصوات الغريبة، الهمسات الخافتة. بدأ يشعر بالخوف يتغلغل في أوصاله. ذهب إلى جاره، لورنز، وأخبره بما حدث. حذره لورنز، ونصحه بالتسلح، لكن أندرياس رفض. لم يكن يؤمن بالعنف، وكان يفضل مواجهة المشاكل بهدوء وعقلانية.

 

  • في ليلة الواحد والثلاثين من مارس، حلت الكارثة. تسلل القاتل إلى المزرعة، غير آبهٍ ببرودة الطقس
  •  وقساوة الظروف. أخذ أفراد العائلة واحدًا تلو الآخر إلى الحظيرة، حيث نفذ جريمته الشنيعة. قُتل
  •  أندرياس وزوجته، سيليا، وابنتهما فيكتوريا، وحفيدتهما جوسيفا، جميعهم ضحايا للوحشية التي لا
  •  تُغتفر.

 

أما الصغيرة ماري، الخادمة الجديدة

 فقد لقيت حتفها في المنزل، إلى جانب الطفلة الصغيرة سيليا، ابنة فيكتوريا. لم يكتفِ القاتل بقتلهم، بل بقي في المزرعة لعدة أيام بعد الجريمة، يأكل ويشرب وينام، وكأن شيئًا لم يحدث.

 

  1. مرت خمسة أيام قبل أن يتم اكتشاف الجريمة. لم يثر غياب العائلة انتباه أحد، فالمنطقة كانت معزولة
  2.  والطقس كان سيئًا. كان الدخان يتصاعد من المدفأة، وكانت الحيوانات تتغذى في الحظيرة، كل شيء
  3.  يبدو طبيعيًا.

 

لكن العامل الذي كان من المفترض أن يصلح آلة زراعية

 هو من كشف السر. وصل العامل إلى المزرعة، وطرق الباب مرارًا وتكرارًا، لكن لم يجبه أحد. بدأ يشعر بالقلق، لكنه قرر إصلاح الآلة أولًا. بعد الانتهاء، لاحظ وجود كلب مربوط إلى باب المنزل، كلب لم يسبق له أن رآه من قبل. تأكد العامل أن شيئًا ما ليس على ما يرام، فذهب إلى لورنز، جار العائلة.

 

  • وصل لورنز إلى المزرعة، وتفقد المنزل. لم يعثر على أحد، لكنه لاحظ آثار دماء خفيفة على الأرض.
  •  ثم ذهب إلى الحظيرة، وهناك كانت الصدمة. وجد أفراد العائلة مقتولين بوحشية، جثثهم مكدسة فوق
  •  بعضها البعض.

 

استدعى لورنز الشرطة، التي بدأت تحقيقًا واسع النطاق. كان لورنز نفسه المشتبه به الأول، فهو جار العائلة، وكان يرغب في الزواج من فيكتوريا، لكن أندرياس رفض. استمر التحقيق لسنوات طويلة، لكن لم يتم العثور على أي دليل قاطع يدين لورنز.

 

على مر السنين، تم استجواب العديد من المشتبه بهم

 من بينهم جنود عائدون من الحرب العالمية الأولى، وعمال مهاجرون، وحتى أفراد من عائلات أخرى في المنطقة. لكن لم يتمكن أحد من تقديم تفسير منطقي للجريمة، أو تحديد هوية القاتل.

 

  • لم تكن هناك آثار اقتحام، مما يشير إلى أن القاتل كان يعرف العائلة، أو أنه تمكن من الدخول إلى
  •  المنزل دون أن يثير انتباه أحد. لم يتم العثور على السلاح المستخدم في الجريمة، والذي يعتقد أنه كان
  •  فأسًا زراعيًا. لم يكن هناك دافع واضح للجريمة، فالسرقة لم تكن واردة، ولم يكن هناك دليل على
  •  وجود عداوة شخصية.

 

تحولت قضية هينتركايْفِك إلى لغزٍ محيّر، ألهم العديد من الكتب والأفلام والمسلسلات الوثائقية. حاول العديد من المحققين الهواة حل اللغز، لكن دون جدوى.

 

في عام 2007، وبعد 85 عامًا من التحقيق

 أُغلقت القضية رسميًا. لم يتم العثور على القاتل، ولم يتم الكشف عن دوافعه. ظلت قصة عائلة غروبر تذكيرًا مروعًا بالشر الكامن في النفوس، والغموض الذي يمكن أن يحيط بالجريمة.

 

  • واليوم، لم يعد هناك أثر لمزرعة هينتركايْفِك. تم هدم المباني، وحرثت الأرض. لكن ذكرى العائلة
  •  المقتولة لا تزال حية في ذاكرة السكان المحليين، قصة تُروى بصوتٍ خافت في ليالي الشتاء الطويلة،
  •  قصةٌ تذكّرهم بأن الشر يمكن أن يكمن في أي مكان، حتى في أكثر الأماكن هدوءًا وأمانًا. قصةٌ تثير
  •  الخوف والقلق


 وتترك الجميع يتساءلون: من فعل ذلك؟ ولماذا؟ وهل سيكشف السر يومًا ما؟ ربما يبقى لغز هينتركايْفِك دون حل إلى الأبد، شاهدًا صامتًا على وحشية الإنسان، وفشل العدالة.

تعليقات

عدد التعليقات : 0